عقيدة التحريف

لقد حرفوا كل شيء.. أصل الإنسان ودينه وجنسه.

وهم يحرفون حتى المنطق في فلسفاتهم الغريبة التي ندرسها بإعجاب، وفي سياساتهم الخادعة التي يعملون على ترسيخها في أذهان العالمين من خلال آلة الإعلام العملاقة ليظهروا أحقية المجرم في (الدفاع عن نفسه) وضرورة (القتل الجانبي) لإفشاء السلام الخ..

يحرفون الأدوار ويعبثون بسلسلة السببية، كما يحددون البدايات التي تحلو لهم كأنها أفلام تشويق نشاهدها ونحن نحشر الفشار في أفواهنا ذاهلين.. البداية هي لكمة صاحب البيت وليس اقتحام السارق البيت.. البداية هي وصول كولومبوس (للأرض الجديدة)، البداية هي (إعلان حقوق الإنسان)..

ولا تظنن أنهم أغبياء بحيث يتمادون في الإنكار إذا افتضحت المسرحية.. سيظهرون أسفهم وتعاطفهم، سيعبرون عن ندمهم وشعورهم (بالخزي العميق) كلما تذكروا تلك الإبادات والحروب، وأن ذلك زمان ولى، وهلم لنبدأ صفحة جديدة، يكتبونها بأقلامهم الحداثية النزيهة..

ولكن القصة لم تنتهي.. وسيعلمون لمن تكون العاقبة. فالله مولانا ولا مولى لهم.

عاقبة الخروج عن النص الإلهي

من اطلع على عالم الجرائم الهائل في الغرب، يرى ما يعز عن الوصف، وما تصير إليه حياة الناس بعيدا عن الفطرة والإيمان بوجود خالق يريد من خلقنا شيئا، وتعليم الأطفال بدل ذلك الإيمان برجل سمين ينزل من السماء ليوزع الهدايا على الأطفال النائمين في حين يعربد أهاليهم ويشربون حتى الإغماء!

من يطلع على واقعهم الحقيقي وجرائمهم التي تبلغ بالقياس إلى الجرائم في بلداننا أضعافا مضاعفة، سيرى ما ينتج عن خروج النساء للعمل وسط الرجال والذي يعده البعض منا أمرا واقعا محتوما، فكذلك اعتقد القوم هناك حتى اختلط الحابل بالنابل وصارت الحفلات المختلطة كذلك واقعا محتوما، ثم اسفار العمل الضرورية والاجتماعات المتأخرة ومن ثم العلاقات السرية بفعل تفاعل الهرمونات – وهو تفاعل محتوم وأمر واقع – وهكذا حتى عادت النهايات معروفة متكررة.. هناك دائما زواج متوتر بسبب حبيب غامض تتكون معالمه رويدا رويدا حتى يظهر بآخر القصة مكبلا ينظر لرجليه بجانب الزوجة الخائنة وهي تبكي وقد كشف المحققون اتفاقهما على نحر الزوج من أجل (بوليصة) تأمين مغرية أو ما شابه.. فإن لم يكن المقتول زوجا فزوجة!

صارت هذه الجرائم مثل (الموضة) عندهم، أما حالات الطلاق فهي (واقع محتوم) منذ زمان.. وهي عندنا في تصاعد مخيف للأسف. وكذلك تكون عاقبة اجتهاد الإنسان خارج النص الإلهي، ونتيجة غطرسته ومكره واختلاقه لحقائق محتومة وضرورات مكذوبة ليشبع هواه أو هوى من يهواه!

جهنم كذلك واقع محتوم بالمناسبة.. نسأل الله السلامة والعافية.

مأساة غياب القدوة

تضيع أعمار حتى نقف على بديهيات.. وهذا – ليت شعري – من مثالب غياب القدوة الصالحة، والمربي الحصيف، والعالم الرباني الذي تثني ركبك عنده ليملأ عقلك وقلبك بالعلم النافع والخلق الرفيع. أما أكثرنا اليوم فعليه تعلم كل شيء بمجهوده الشخصي بعد توفيق الإله عز وجل..

الغاية من الخلق، الحفاظ على الصلاة في وقتها، تنفس التوحيد، التشبث بالخلق الحسن، التوازن بين العزة والتواضع، العض على السنة بالنواجذ، خطورة البدعة التي تفوق الكبيرة، معرفة هويتنا، من الأخ ومن العدو؟ أهمية الزواج والتشجيع عليه لتلافي فخ الزنا وكثير من العقد النفسية.. كل هذه وغيرها صارت مفاهيم باهتة وبعضهم يرى أن له أن يتجاوزها لأن الوقت تبدل، ولا يعلم المسكين أنها قواعد صالحة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن قلبه هو الذي تبدل وخرب، ربما لأنه تُرك وحيدا بلا مرب ولا موجه فصرعته نفسه وشياطين الإنس والجن.

وقد يصل من رحم الله لما تيسر له من هذه الحكم والقواعد فيركب القطار قبل أن يفوته. أو يصل الواحد منا لمكان المشط أخيرا.. ولكن بعد أن سقط شعره!

نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

تلكم الحرية عندي

الحرية عندي التحرر من الناس وأحكامهم وتقييماتهم، وليس التحرر من العقيدة الصحيحة كما يتوهّم الحمقى. والتحرر من الناس هذا أشبه ما يكون بقول بعض الفلاسفة (الجحيم هو الآخر)، أي ارتباطك المرضي بالآخر ورأيه فيك..

فإذا اكتفى المرء بما جاء في شرع ربه، أجلّ من يُتأدّب معه، وأولى من يسعى لإرضائه، وأجدى من يمتثل لأمره، وسعى – بعدُ – لتوازن معقول في علاقاته، فله حينها أن يمارس حقه المشروع في الاعتناء بنفسه و(أخذ راحته) و(مدّ رجليه) بما يناسب طبعه وظروفه.. تلكم الحرية عندي.

ألا تسمح لغيرك أن يُملي عليك آراءه الغريبة، وأذواقه الخاصة، وما تفعله وقت راحتك وما لا تفعل، وكيف تخاطب رئيس عملك وما تتغاضى عنه وما لا تقبل، أو مواصفات فتاتك المستقبلية وكيف تشدّ الحبل معها وتطلقه.. تلكم الحرية عندي.

وأما النصح الصادر عن كلام الله عزّ وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين وكبار العلماء الموثوقين فهو كذلك كلام في الحرية والتحرر.. تحرر من شهوات النفس وضلالات شياطين الجن والإنس، فمن تكلم معك بمثل هذا الكلام فقبّل رأسه لأنه يحرّرك من نفسك وقيودها.

ولكن أين هؤلاء المحررون ؟ إنما أكثر كلام الناس وتوجيهاتهم ضيقة الأفق، مادية، متعصبة، مؤقتة، ملغومة أو هي – في أحسن الحالات – لا تنفع في كل مقام، ولا تنفع مع كل الأنام. كلام تغلب عليه التسويغات العاطفية، والمغالطات المنطقية.. سوق موحلة من الأهواء والتقليدات العمياء والأحقاد الدفينة والعاهات الفكرية والعقد النفسية و(هذا ما وجدنا عليه آباءنا).

أسأل الله العظيم أن يُنعم علينا – وعليكم – بالسلامة من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يعيذنا من شر الخلق ومكرهم. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وإن تُطع أكثر من في الأرض يُضلّوك..

كم واحد نصحك – طوال حياتك – أن (ادفع بالتي هي أحسن) و(أعرض عن الجاهلين) وذكرك بأوصاف عباد الرحمن الذين يمشون ويتكلمون (هونا)، (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) أي قولا يسلمون به – كما ذكر أهل العلم – من مجاراة الحمقى وما يأتي جراء ذلك من الأذى.. كم ؟

أليس أكثر الناس ينصحون بالعكس؟ بدءا من الآباء مرورا بالأصحاب ومقاطع اليوتيوب، انتهاء ببعض الفضلاء الذين ربما توسمت فيهم حكمة ورزانة، فلا تسمع إلا (لا تسكت..)، (“أخرج فيه عينيك”)، (عامله بالمثل)، (هؤلاء لا يصلح معهم هذا الكلام)، (إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب).. الخ. أليس هذا عكس ما توصي به الآيات؟ وماذا كان ليقول الشيطان عياذا بالله منه إن أراد الإيقاع بك وشغلك بالناس غير هذا الكلام؟

وليست تلك الحالات القصوى من الإهانة والظلم الذي يستدعي دفاعا عن النفس او المال أو العرض ما أعني، وإنما الحالات العامة التي لا مفر منها حين الاحتكاك بالناس، وإلا متى نطبق هذه الآيات والوصايا وفي أي مواقف؟

ألا ما أندر أصحاب الحق والله، (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله. إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون).

نسأل الله الحكمة والعافية.