هناك رُخصٌ لسياقة كل شيء، حتى الغواصات تحت الماء، والمكوكات في جنبات الفضاء. ولكن كم منا لديه رخصة لسياقة نفسه ؟
أوَلا تحتاج هذه النفوس لمقود ومكابح ومعدّل سرعات ؟.. يكفي أن تنظر للدهماء في الشارع، لترى سيارات تتسابق بتهوّر، وتطلق لأبواقها العنان وتسفك الدماء ولا تُبالي.. أين تعلّم هؤلاء السياقة من قبل ؟ أم أنهم أطفال وجدوا سيارات فاعتلوها فرحين، وانطلقوا بأقصى ما في جهدهم، لا يلوون على شيء !
بل انظر لنفسك قبل ذلك، ولأنظر لنفسي.. هل تعلّمنا يوما كيف نسوق أنفسنا ؟ هل علّمنا آباؤنا – غفر الله لهم وجزاهم الجزاء الحسن – ؟ هل تلقيتَ من قبل دروسا مفصّلة في تقنيات مراوغة الغضب، أو طُرق مناورة الشهوة ؟ أوَلسنا إلى (رخصة) في هذه الأمور أحوج منا إلى شهادة في (التسيير الربوي للشركات) ؟
إنها التربية الغائبة عند المربين قبل المتربين.. إنها الحلقة المفقودة التي قد لا تجدها – أحيانا – حتى مع توافر المعتقد الصحيح الذي هو أساس كل شيء ! والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ولكن النظرة من داخل المجتمع لا تشمل كل أبعاد الحقيقة، إذ قد تمّ التعارف على ثوابت وقواعد وعبارات وحركات وردود أفعال ما أنزل الله بها من سلطان، ولكنها عندنا صواب، ولا نكاد نرى الصواب في غيرها. ولذلك تتواتر هذه الأخلاقيات جيلا بعد جيل.. فيقلد الطفل أباه، ثم زميله في أقسام المدرسة، ثم أستاذه في مدرجات الجامعة، ثم كاتبه المفضل بين صفحات الكتب، أو هذا المغني أو ذاك الممثل، وربما شيخ مبتدع ضال مُضلّل.. فمتى يخرج الإنسان من الحلقة المفرغة هذه ؟ متى يتوقف ليسأل ويجيل النظر فيما حوله، وينتبه قليلا لما تعلّمه وما لم يتعّلمه، ويتأمّل هذه الفوضى حوله التي يُسمّونها حياة !
ولكنه غياب النموذج المقتدى، والمثال الذي يُحتذى، وهو ما جعلنا نقود بلا رخصة، ثم نظنّ – بعدُ – أننا نُحسن القيادة !
رفعت خالد المزوضي